الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (32- 44): {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}قوله: {واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ} هذا المثل ضربه الله سبحانه لمن يتعزّز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة الفقراء فهو على هذا متصل بقوله: {واصبر نَفْسَكَ}.وقد اختلف في الرجلين هل هما مقدّران أو محققان؟ فقال بالأوّل: بعض المفسرين.وقال بالآخر: بعض آخر.واختلفوا في تعيينهما، فقيل: هما أخوان من بني إسرائيل، وقيل: هما أخوان مخزوميان من أهل مكة: أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقيل: هما المذكوران في سورة الصافات في قوله: {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ} [الصافات: 51]. وانتصاب {مثلاً} و{رجلين} على أنهما مفعولا {اضرب}، قيل: والأوّل هو الثاني والثاني هو الأوّل {جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} هو الكافر، و{مّنْ أعناب} بيان لما في الجنتين أي: من كروم متنوعة {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} الحفّ: الإحاطة، ومنه {حَافّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} [الزمر: 75] ويقال: حف القوم بفلان يحفون حفاً أي: أطافوا به، فمعنى الآية: وجعلنا النخل مطيفاً بالجنتين من جميع جوانبهما {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} أي: بين الجنتين، وهو وسطهما، ليكون كل واحد منهما جامعاً للأقوات والفواكه. ثم أخبر سبحانه عن الجنتين بأن كل واحدة منهما كانت تؤدّي حملها وما فيها، فقال: {كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا} أخبر عن {كلتا} ب {آتت}، لأن لفظه مفرد، فراعى جانب اللفظ.وقد ذهب البصريون إلى أن كلتا وكلا اسم مفرد غير مثنى.وقال الفراء: هو مثنى. وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية.وقال سيبويه: ألف كلتا للتأنيث، والتاء بدل من لام الفعل، وهي واو، والأصل كلوا.وقال أبو عمرو: التاء ملحقة، وأكلهما هو: ثمرهما، وفيه دلالة على أنه قد صار صالحاً للأكل. وقرأ عبد الله بن مسعود {كل الجنتين آتى أكله}. {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا} أي: لم تنقص من أكلها شيئاً، يقال: ظلمه حقه، أي: نقصه، ووصف الجنتين بهذه الصفة للإشعار بأنهما على خلاف ما يعتاد في سائر البساتين فإنها في الغالب تكثر في عام، وتقلّ في عام {وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَراً} أي: أجرينا وشققنا وسط الجنتين نهراً ليسقيهما دائماً من غير انقطاع، وقرئ: {فجرنا} بالتشديد للمبالغة، وبالتخفيف على الأصل. {وَكَانَ لَهُ} أي: لصاحب الجنتين {ثَمَرٌ} قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق {ثمر} بفح الثاء والميم. وكذلك قرؤوا في قوله: {أُحِيطَ بِثَمَرِهِ} وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم فيهما. وقرأ الباقون بضمهما جميعاً في الموضعين. قال الجوهري: الثمرة واحدة الثمر، وجمع الثمر: ثمار، مثل: جبل وجبال. قال الفراء: وجمع الثمار: ثمر، مثل: كتاب وكتب، وجمع الثمر: أثمار، مثل: عنق وأعناق، وقيل: الثمر: جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك، وقيل: هو الذهب والفضة خالصة {فَقَالَ لصاحبه} أي: قال صاحب الجنتين الكافر لصاحبه المؤمن {وَهُوَ يحاوره} أي: والكافر يحاور المؤمن، والمعنى: يراجعه الكلام ويجاوبه، والمحاورة: المراجعة، والتحاور التجاوب {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} النفر: الرهط، وهو ما دون العشرة، وأراد ها هنا الأتباع والخدم والأولاد.{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} أي: دخل الكافر جنة نفسه. قال المفسرون: أخذ بيد أخيه المسلم، فأدخله جنته يطوف به فيها، ويريه عجائبها، وإفراد الجنة هنا يحتمل أن وجهه: كونه لم يدخل أخاه إلا واحدة منهما، أو لكونهما لما اتصلا كانا كواحدة، أو لأنه أدخله في واحدة، ثم واحدة أو لعدم تعلق الغرض بذكرهما. وما أبعد ما قاله صاحب الكشاف: أنه وحد الجنة للدلالة على أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون، وجملة: {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} في محل نصب على الحال أي: وذلك الكافر ظالم لنفسه بكفره وعجبه {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً} أي: قال الكافر لفرط غفلته وطول أمله: ما أظن أن تفنى هذه الجنة التي تشاهدها. {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أنكر البعث بعد إنكاره لفناء جنته. قال الزجاج: أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا وقيام الساعة {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى لأجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً} اللام هي الموطئة للقسم، والمعنى: أنه إن يردّ إلى ربه فرضاً وتقديراً كما زعم صاحبه، واللام في {لأجِدَنَّ} جواب القسم، والشرط أي: لأجدنّ يومئذٍ خيراً من هذه الجنة. في مصاحف مكة والمدينة والشام {خيراً منهما} وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة {خيراً منها} على الإفراد، و{مُنْقَلَباً} منتصب على التمييز أي: مرجعاً وعاقبة، قال هذا قياساً للغائب على الحاضر، وأنه لما كان غنياً في الدنيا، سيكون غنياً في الأخرى، اغتراراً منه بما صار فيه من الغنى الذي هو استدراج له من الله. {قَالَ لَهُ صاحبه} أي: قال للكافر صاحبه المؤمن حال محاورته له منكراً عليه ما قاله {أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} بقولك {مَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} وقال خلقك: من تراب أي: جعل أصل خلقك من تراب حيث خلق أباك آدم منه، وهو أصلك، وأصل البشر فلكل فرد حظ من ذلك، وقيل: يحتمل أنه كان كافراً بالله فأنكر عليه ما هو عليه من الكفر، ولم يقصد أن الكفر حدث له بسبب هذه المقالة {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} وهي المادّة القريبة {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} أي: صيرك إنساناً ذكراً، وعدّل أعضاءك وكملك، وفي هذا تلويخ بالدليل على البعث، وأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة، وانتصاب {رجلاً} على الحال أو التمييز. {لَكنا هُوَ الله رَبّى} كذا قرأ الجمهور بإثبات الألف بعد لكنّ المشددة.وأصله: لكن أنا، حذفت الهمزة وألقيت حركتها على النون الساكنة قبلها فصار لكننا، ثم استثقلوا اجتماع النونين فسكنت الأولى وأدغمت الثانية، وضمير هو للشأن، والجملة بعده خبره والمجموع خبر أنا، والراجع ياء الضمير، وتقدير الكلام: لكن أنا الشأن الله ربي. قال أهل العربية: إثبات ألف أنا في الوصل ضعيف. قال النحاس: مذهب الكسائي والفراء والمازني أن الأصل: لكن أنا، وذكر نحو ما قدّمنا.وروي عن الكسائي أن الأصل: لكن الله هو ربي أنا. قال الزجاج: إثبات الألف في لكنا في الإدراج جيد لأنها قد حذفت الألف من أنا، فجاءوا بها عوضاً، قال: وفي قراءة أبيّ {لكن أنا هو الله ربي} وقرأ ابن عامر والمثنى عن نافع، وورش عن يعقوب {لكنا} في حال الوصل والوقف معاً بإثبات الألف، ومثله قول الشاعر:ومنه قول الأعشى: ولا خلاف في إثباتها في الوقف، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية، وروي عن الكسائي {لكن هو الله ربي} ثم نفى عن نفسه الشرك بالله، فقال: {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} وفيه إشارة إلى أن أخاه كان مشركاً، ثم أقبل عليه يلومه فقال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله} لولا للتحضيض، أي: هلاّ قلت عندما دخلتها هذا القول. قال الفراء والزجاج: {ما} في موضع رفع على معنى الأمر ما شاء الله، أي: هلاّ قلت حين دخلتها: الأمر بمشيئة الله، وما شاء الله كان، ويجوز أن تكون {ما} مبتدأ والخبر مقدّر، أي: ما شاء الله كائن، ويجوز أن تكون {ما} شرطية والجواب محذوف، أي: أيّ شيء شاء الله كان {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} أي: هلا قلت: ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله، تحضيضاً له على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله، إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها، وعلى الاعتراف بالعجز، وأن ما تيسر له من عمارتها إنما هو بمعونة الله لا بقوّته وقدرته. قال الزجاج: لا يقوى أحد على ما في يده من ملك ونعمة إلا بالله، ولا يكون إلا ما شاء الله. ثم لما علمه الإيمان وتفويض الأمور إلى الله سبحانه أجابه على افتخاره بالمال والنفر فقال: {إن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا} المفعول الأوّل: ياء الضمير، و«أنا»: ضمير فصل، و{أقلّ}: المفعول الثاني للرؤية إن كانت علمية، وإن جعلت بصرية كان انتصاب أقلّ على الحال، ويجوز أن يكون {أنا} تأكيد لياء الضمير، وانتصاب {مالاً} و{ولداً} على التمييز. {فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} هذا جواب الشرط، أي: إن ترني أفقر منك، فأنا أرجو أن يرزقني الله سبحانه جنة خيراً من جنتك في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا} أي: ويرسل على جنتك حسباناً، والحسبان مصدر، بمعنى: الحساب كالغفران، أي: مقداراً قدّره الله عليها، ووقع في حسابه سبحانه، وهو الحكم بتخريبها.قال الزجاج: الحسبان من الحساب أي: يرسل عليها عذاب الحساب، وهو حساب ما كسبت يداك.وقال الأخفش: حسباناً: أي مرامي {مّنَ السماء} واحدها حسبانه، وكذا قال أبو عبيدة والقتيبي.وقال ابن الأعرابي: الحسبانة: السحابة، والحسبانة: الوسادة، والحسبانة: الصاعقة، وقال النضر بن شميل: الحسبان: سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة تنزع في قوس، ثم يرمي بعشرين منها دفعة، والمعنى: يرسل عليها مرامي من عذابه: إما برد، وإما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب. ومنه قول أبي زياد الكلابي: أي: جراد {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أي: فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسباناً صعيداً، أي: أرضاً لا نبات بها وقد تقدّم تحقيقه {زلقاً} أي: تزلّ فيها الأقدام لملاستها، يقال: مكان زلق بالتحريك أي: دحض، وهو في الأصل مصدر قولك زلقت رجله تزلق زلقاً وأزلقها غيره، والمزلقة: الموضع الذي لا يثبت عليه قدم، وكذا الزلاقة، وصف الصعيد بالمصدر مبالغة، أو أريد به المفعول، وجملة: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} معطوفة على الجملة التي قبلها، والغور: الغائر. وصف الماء بالمصدر مبالغة، والمعنى: أنها تصير عادمة للماء بعد أن كانت واجدة له، وكان خلالها ذلك النهر يسقيها دائماً، ويجيء الغور بمعنى: الغروب، ومنه قول أبي ذوئيب: {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} أي: لن تستطيع طلب الماء الغائر فضلاً عن وجوده وردّه ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل، وقيل: المعنى: فلن تستطيع طلب غيره عوضاً عنه. ثم أخبر سبحانه عن وقوع ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر فقال: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} قد قدّمنا اختلاف القراء في هذا الحرف وتفسيره، وأصل الإحاطة من إحاطة العدوّ بالشخص كما تقدّم في قوله: {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66]، وهي عبارة عن إهلاكه وإفنائه، وهو معطوف على مقدّر كأنه قيل: فوقع ما توقعه المؤمن وأحيط بثمره {فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} أي: يضرب إحدى يديه على الأخرى وهو كناية عن الندم، كأنه قيل: فأصبح يندم {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} أي: في عمارتها وإصلاحها من الأموال، وقيل: المعنى يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق، لأن الملك قد يعبر عنه باليد من قولهم: في يده مال، وهو بعيد جداً، وجملة {وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} في محل نصب على الحال، أي: والحال أن تلك الجنة ساقطة على دعائمهم التي تعمد بها الكروم أو ساقط بعض تلك الجنة على بعض، مأخوذ من خوت النجوم تخوى: إذا سقطت ولم تمطر في نوئها، ومنه قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة بِمَا ظَلَمُواْ} [النمل: 52] قيل: وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل، وأيضاً إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي، وجملة: {وَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} معطوفة على {يقلب كفيه}، أو حال من ضميره، أي: وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك، أو كان هذا القول منه على حقيقته، لا لما فاته من الغرض الدنيوي، بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه. {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} {فئة} اسم كان و{له} خبرها، و{ينصرونه} صفةً لفئة، أي: فئة ناصرة، ويجوز أن تكون {ينصرونه} الخبر، ورجح الأوّل سيبويه، ورجح الثاني المبرّد، واحتج بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] والمعنى: أنه لم تكن له فرقة وجماعة يلتجئ إليها وينتصر بها، ولا نفعه النفر الذين افتخر بهم فيما سبق {وَمَا كَانَ} في نفسه {مُنْتَصِراً} أي: ممتنعاً بقوته عن إهلاك الله لجنته، وانتقامه منه. {هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق} قرأ أبو عمرو والكسائي {الحق} بالرفع نعتاً للولاية، وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وعاصم وحمزة {الحق} بالجرّ نعته لله سبحانه. قال الزجاج: ويجوز النصب على المصدر والتوكيد كما تقول هذا لك حقاً. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي: {الولاية} بكسر الواو، وقرأ الباقون بفتحها، وهما لغتان بمعنى، والمعنى: هنالك، أي: في ذلك المقام، النصرة لله وحده لا يقدر عليها غيره، وقيل: هو على التقديم والتأخير، أي: الولاية لله الحق هنالك {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي: هو سبحانه خير ثواباً لأوليائه في الدنيا والآخرة {وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي: عاقبة، قرأ الأعمش وعاصم وحمزة {عقباً} بسكون القاف، وقرأ الباقون بضمها، وهما بمعنى واحد، أي: هو خير عاقبة لمن رجاه وآمن به، يقال: هذا عاقبة أمر فلان، وعقباه: أي أخراه.وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله: {جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} قال: الجنة: هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها.وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال: نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم: وهو نهر مشهور بالرملة.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا} قال: لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم.وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} يقول: مال.وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال: قرأها ابن عباس {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} بالضم، وقال: هي أنواع المال.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} قال: ذهب وفضة.وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} يقول: كفور لنعمة ربه.وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب: «الله الله ربي لا أشرك به شيئاً».وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال: «طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال: ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال: يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه: يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج».وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله}»، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي: عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه.وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً.وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً.وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟ قلت: نعم، قال: أن تقول: لا قوّة إلا بالله» وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله»، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} قال: مثل الجرز.وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {حُسْبَانًا مِّنَ السماء} قال: عذاباً {فتصبح صعيداً زلقاً} أي: قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: ذاهباً قد غار في الأرض {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} قال: يصفق {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} متلهفاً على ما فاته.
|